في أي عمر يتكلم الطفل؟
يعدّ تطور اللغة لدى الأطفال أحد أهم مراحل النمو التي تؤثر بشكل كبير على تفاعلهم مع العالم المحيط بهم. تحدث هذه العملية بشكل تدريجي، حيث يبدأ الأطفال في استخدام الصوت واللغة للإشارة إلى رغباتهم، ثم يتطور الأمر ليشمل جملًا معقدة وقدرة على التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بطرق متطورة. في هذا المقال، سنتناول تطور اللغة عند الأطفال، بدءًا من أولى أصواتهم إلى اللحظة التي يبدأون فيها باستخدام الكلمات بشكل دقيق.
مراحل تطور الكلام لدى الأطفال
1. المرحلة الجنينية (الأسابيع الأولى)
حتى قبل أن يولد الطفل، يبدأ سمعه في التكوين. تشير الأبحاث إلى أن الجنين يمكنه سماع الأصوات من الأسبوع 25 من الحمل. في هذه المرحلة، يسمع الجنين الأصوات الداخلية لجسم الأم، مثل دقات قلبها وحركة الأمعاء. بينما لا يتحدث الجنين أو يميز كلمات، يمكن لهذا السماع المبكر أن يساعد الطفل على التعرف على الأصوات البشرية عندما يولد.
2. المرحلة الرضعية (من 0 إلى 6 أشهر)
في هذه المرحلة، لا يستطيع الطفل إصدار كلمات مفهومة، ولكنه يبدأ في استخدام الأصوات للتفاعل مع محيطه. يبدأ الرضع في إصدار أصوات غير منسقة، مثل “أه” و “آه”، والتي تساهم في تقوية عضلات الحنجرة. في هذه المرحلة، تبدأ الأصوات بشكل عفوي، حيث يُلاحظ أن الطفل يتفاعل مع المواقف المختلفة (مثل الشعور بالجوع أو التعب) عبر البكاء أو الضحك.
في نهاية هذه المرحلة، يبدأ الطفل في تطوير مهاراته في النطق من خلال تكرار الأصوات بشكل أكثر انتظامًا. هذه الأصوات ليست كلمات مفهومة بعد، لكنها تمثل بداية تطور مهارات الصوت.
3. المرحلة ما قبل الكلمات (من 6 إلى 12 شهرًا)
في هذه المرحلة، يبدأ الطفل في استخدام مجموعة متنوعة من الأصوات المحاكية للأصوات التي يسمعها من حوله. يُطلق على هذا النوع من الأصوات “الثرثرة” أو “الخرخرة”. قد يبدأ الطفل في قول مقاطع متكررة مثل “با با” أو “ما ما”. على الرغم من أن هذه الأصوات لا تكون كلمات حقيقية، فإنها تعد خطوة كبيرة في مسار تعلم اللغة، حيث يستخدم الطفل الأصوات للتفاعل مع الآخرين.
من الناحية الإدراكية، تبدأ الأدمغة في هذه المرحلة في اكتساب قدرات تحاكي الأصوات البشرية بشكل أكثر دقة. في هذا الوقت، يصبح الأطفال قادرين على فهم الكلمات البسيطة مثل “لا” أو “أم” و “أب”.
4. المرحلة الأولى للكلمات (من 12 إلى 18 شهرًا)
يبدأ الأطفال في هذه المرحلة باستخدام الكلمات الأولى بشكل مباشر للتواصل مع من حولهم. في بداية هذه المرحلة، يتعلم الطفل بشكل طبيعي ربط الأصوات بكلمات معينة، مثل “ماما” و “بابا”، وهي الكلمات التي يرتبط بها الطفل بشكل عاطفي. قد يستخدم الطفل بعض الكلمات بشكل مبسط، مثل “نعم” أو “لا”، ليُظهر استجابته للمواقف.
على الرغم من أن الكلمات تكون محدودة جدًا في هذه المرحلة، إلا أن الطفل يتعرف بشكل متزايد على الفرق بين الأصوات والكلمات. يبدأ الأطفال في هذه المرحلة في تشكيل جمل قصيرة للغاية، مثل “أريد” أو “لا أريد”. وتعد هذه البداية خطوة هامة نحو تعزيز التفاهم بين الطفل ووالديه.
5. المرحلة المتقدمة للكلمات (من 18 إلى 24 شهرًا)
في هذه المرحلة، يتعلم الطفل المزيد من الكلمات، ويبدأ في بناء جمل قصيرة مثل “أريد عصير” أو “أعطني الكرة”. يصبح التواصل اللفظي أكثر تفاعلية ويمكنه توصيل رغباته واحتياجاته بشكل أساسي.
الأطفال في هذه المرحلة يبدؤون في التفاعل مع المحيطين بهم بطريقة أكثر تفهمًا. على الرغم من أن القواعد اللغوية لا تكون مكتملة بعد، إلا أن الطفل يمكنه بالفعل فهم بعض المفاهيم الأساسية مثل الفاعل والمفعول به. يعبر الطفل عن نفسه باستخدام جمل بسيطة ويبدأ في التواصل مع الأطفال الآخرين بشكل أكثر وضوحًا.
6. مرحلة تطوير الجمل (من 24 إلى 36 شهرًا)
يبدأ الطفل في هذه المرحلة بإنشاء جمل أطول وأكثر تعقيدًا. عادةً ما تتكون هذه الجمل من ثلاث إلى أربع كلمات، وتكون أكثر تعبيرًا عن المفاهيم المعقدة. على سبيل المثال، يمكن للطفل أن يقول “أريد أن ألعب معك” أو “أنا جائع”. في هذه الفترة، يبدأ الطفل في فهم القواعد اللغوية البسيطة مثل تصريف الأفعال واستخدام الضمائر.
كما يلاحظ الآباء أيضًا أن أطفالهم يبدأون في استخدام الضمائر بشكل صحيح مثل “هو” و “هي” و “أنا” و “أنت”. في هذه المرحلة، يصبح الطفل قادرًا على التفاعل بشكل أكبر مع محيطه باستخدام لغة أكثر تنوعًا.
7. مرحلة الإتقان اللغوي المبكر (من 3 إلى 5 سنوات)
في هذه المرحلة، يصبح لدى الطفل قدرة متزايدة على استخدام اللغة بطريقة أكثر تعقيدًا. يستطيع الطفل الآن بناء جمل معقدة، ويظهر مستوى جيد من الفهم للغة من حوله. يبدأ الأطفال في التحدث بشكل متسلسل عن أحداث أو قصص، ويمكنهم التعبير عن آرائهم ومشاعرهم بشكل أكثر وضوحًا.
في هذه المرحلة، يكتسب الأطفال الكثير من المفردات الجديدة، ويزداد قدرتهم على تكوين جمل من خلال استخدام الأزمنة المختلفة والضمائر.
8. المرحلة المتقدمة (من 5 إلى 7 سنوات)
مع بداية المرحلة المدرسية، يصبح الأطفال قادرين على استخدام اللغة بشكل أقرب إلى النضج. تبدأ المفردات في التوسع بشكل ملحوظ، ويتعلم الأطفال العديد من الكلمات المعقدة، بالإضافة إلى تحسين القواعد اللغوية لديهم. يصبح الطفل قادرًا على فهم مفاهيم لغوية أكثر تعقيدًا مثل التشبيه، المقارنة، واستخدام الأمثال والتعبيرات المجازية.
الأطفال في هذه المرحلة يمكنهم أيضًا استخدام اللغة بطريقة مرنة للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بشكل أوسع. يمكنهم التعبير عن الأشياء بطريقة منطقية وأكثر تنظيمًا.
العوامل المؤثرة في تطور اللغة عند الأطفال
لا شك أن التطور اللغوي عند الأطفال يختلف من طفل لآخر، وهناك العديد من العوامل التي تلعب دورًا في هذا التطور. من بين هذه العوامل:
-
التعرض للغة: يعدّ التفاعل المستمر مع المحيطين بالطفل، مثل الوالدين والأقران، أمرًا حاسمًا في تسريع عملية تعلم اللغة.
-
الحالة الصحية: تؤثر الصحة العامة للطفل على تطوره اللغوي، فبعض الأطفال الذين يعانون من مشاكل في السمع أو اضطرابات في النمو قد يواجهون صعوبة في تعلم اللغة.
-
البيئة الاجتماعية: يمكن أن يؤثر المستوى التعليمي للآباء وظروف الأسرة على تطور اللغة، حيث أن الأسر التي توفر بيئة غنية بالتحفيز اللغوي تميل إلى أن يكون أطفالها أكثر تقدمًا لغويًا.
-
العوامل الثقافية: تختلف أشكال التواصل اللغوي تبعًا للثقافة والمجتمع. في بعض الثقافات، يتم تشجيع الأطفال على الكلام في وقت مبكر، بينما في ثقافات أخرى قد يختلف الوقت الذي يبدأ فيه الطفل بالكلام.
الخلاصة
يعدّ تطور اللغة عند الطفل رحلة طويلة ومعقدة تبدأ منذ لحظة ولادته، وتستمر حتى مراحل متقدمة من عمره. مع تقدم الطفل في العمر، يبدأ في استخدام اللغة بشكل أكثر تعقيدًا، حيث يبدأ بالكلام البسيط ثم ينتقل إلى بناء جمل طويلة ومعقدة. العوامل التي تؤثر في هذا التطور متعددة، وتشمل التفاعل الاجتماعي، الصحة العامة، البيئة، والثقافة.
من خلال الفهم الدقيق لهذه المراحل، يمكن للآباء والمعلمين تقديم الدعم المناسب لطفلهم في كل مرحلة من مراحل تطور اللغة، مما يساهم في تعزيز قدرة الطفل على التواصل وتعبير نفسه بفعالية.
